ا كارما وأخواتها: 10 دقائق..

الثلاثاء، 10 مايو 2011

10 دقائق..

عشر دقائق..عشر دقائق هى المدة التى احتاجها ليستوعب -جزئياً- ما يحدث حوله..
فى البدئ..
شعر بنغز فى حنجرته..
ود لو يحك جلد رقبته.. ولكن مهلاً.. ما تلك الاسلاك والخراطيم الموصلة بيديه؟؟
الرؤية ما زالت مشوشة نسبياً..
اضائه بيضاء خافته..
صوت معدنى الكترونى كئيب.. يتداخل مع صوت كصوت انذار متقطع..
وعندما هم ببلع ريقه.. وجد صعوبه شديده.. اللعنه على هذا الخرطوم الموصل عبر حنجرته..
ثم ها هو باب الحجرة يفتح بإندفاع.. ويسلكه طبيبان وممرضه..
ويشرعان فى تبادل كلام غير مفهوم له.. واندفعا يلقيان اوامر متتالية على الممرضه..
اغلق عينيه فى ارهاق..
ثم ما لبث أن شعر بإصبعى احدى الطبيبان يفتحان جفون عينيه ويسلط ضوء قلم منير على حدقته..
يتنهد الطبيب فى حزن غير مبرر وهو يردد "لقد كان محظوظاً هذا الوغد..لو لم يتحدد موقفه من الغيبوبة ذالك اليوم على الأكثر.. لكنا أحدثنا فتح فى حنجرته عوضاً عن ذالك الخرطوم واللذى كاد أن يتلف أنسجة الحنجرة.. ولكن..ها هو قد إرتاح أخيراَ"
غيبوبة؟؟
هل قال الطبيب غيبوبة؟؟
آه..
لقد تذكر أخيراً..


*  *  *

لم تمر أكثر من عشر دقائق حتى أحس أنه إسترد عافيته..
كل ما يرغب فيه الأن هو الخروج من ذالك المكان..
ولشد ما أدهشه هو عدم اعتراض الطاقم الطبى له عندما هم بالخروج..
"تباً للمستشفيات..لشد ما أمقتها"
قالها لنفسه..
لم يتصل بأحدٍِ من أهل بيته..يريد أن يجعلها مفاجئةً لهم..
لقد دار بخلده أنهم فقدوا الامل فى تجاوزه لتلك الغيبوبة..
اللعنة على الغطس..
لماذا دخل فى ذاللك التحدى الأرعن مع ذالك الروسى..
عشر دقائق غطس بدون أكسجين ضرب من الجنون..
ولكن..كم وصل؟؟.. اربع دقائق؟؟..أكثر؟..أقل؟..
لا يتذكر حقاً..
كل ما يتذكره.. هى نظرة التحدى اللتى ظل غريمه الروسى يرمقه بها بعينيه الزرقاء كزرقة السماء..
ثم.. تلاشى كل شيئ..
حقاً ان وجوده على قيد الحياة لهى معجزة تستحق التأمل..


*  *  *

الشوارع هادئة ليست كالمعتاد..
لوح بيده لسيارة اجرة..ولكنها لم تتوقف..
ثم ما لبثت أن توقفت أمامه سيارة أخرى ..
فتح بابها..وجلس على المقعد الخلفى..
لم يرى وجه السائق..لربما كان الظلام هو..
-الى الوجهة المعتادة؟
قالها السائق بصوت رخيم حزين..
أى وجهة معتادة يقصد؟؟ ايعنى المطار؟؟ يبدو هذا..
-نعم..الى الوجهة المعتادة..
فإنطلقت السيارة

*  *  *

توقفت السيارة عند احدى اشارات المرور...
ثم لم تلبث الا وجاورتها سيارة أخرى..
القى نظرة من نافذة السيارة على السيارة المجاورة..سيارة بورش حمراء شيك حقاً.. وسائقها..اللعنة..أهذا معتز؟؟ خلته لقى حتفه فى حادث سيارة..ولكن..ها هو حى يرزق..عجباً..
أنزل زجاج السيارة ونادى على صديقه مرات عديدة..ولكن ..لا مجيب..!
-لن يسمعك..
رددها السائق بصوته الرخيم الحزين..
-ولم؟؟
-أنظر الى أُذنيه..إنه يتحدث ف الهاتف ويرتدى سماعات الاذن.. فلا ترهق نفسك بالصياح..فلن يسمعك..
-حسناً انتظر رثيما القى عليه التحية..
وهم بفتح باب العربة
-الاشارة أصبحت خضراء..سننطلق..اغلق الباب من فضلك..
وأنطلقت السيارة


*  *  *
لم يستطع تحديد كُنه هذا الشعور اللذى ينتابه الآن..
مزيج من الخوف والقلق وعدم الراحة.. ولكن..لمَّ؟؟!
-كم الساعة من فضلك الآن؟
وجه سؤاله للسائق..
-وهل يهم هذا حقاً؟
أجابه بصوت خفيض..
-ماذا تعنى؟
-لا شيئ..ستفهم لاحقاً..فيبدو أنك لم تفهم بعد..
-أين تتوجه بى؟..لم تخبرنى الى الآن..
قالها وقد بداء القلق يتمكن منه..
-عشر دقائق ونصل.. وتدرك كل شيئ..
- ماذا تعنى؟؟ ها؟ لما لا ترد على.. توقف..أرغب بالنزول الآن..توقف الآن..
قالها صائحاً..
فضغط السائق مكابح السيارة مرة واحدة محدثاً صوتاً مزعجاً.. وساد العربة السكون..
مرت عشر ثوانى..ثم ما لبث ان فتح باب العربة.. وقذف ورقة مالية عبر نافذة السيارة الامامية للسائق..وهرع مسرعاً مبتعداً عن السيارة..ولم تفارق خياله تلك العينان الزرقاوتان فى زرقة السماء اللتى ابصرهما من لحظات عندما كان يلقى بالاجرة لصاحبهما..انه لم ينسى صاحبهما..رباه..أهذا كابوس؟؟.. اللعنة على تلك المدينة.. وأين ذهب سكانها؟؟
وبطرف عينيه..لمح السيارة ماتزال واقفة هامدة الحركة..
جثا على ركبتيه فى انهيار.. وطفق يعبئ رئتيه بالهواء فى هدؤ محاولاً الحفاظ على مستوى ثانى أكسيد الكربون فى الدم..كى لا يفقد وعيه..ولكن..لا جدوى..ماذا يحدث؟؟..انه يختنق.. زاد من معدل تنفسه.. ولكن.. لا فارق.. يحس بإختناق شديد..اللعنة..هل تسرع بقرار الخروج من المستشفى؟؟..
انطلق آيباً الى السيارة..واللتى لم تتحرك بعد..وفتح بابها مسرعاً ولم يستطع النطق بشيئ..ولكنه أشار بيديه -وهو يجاهد ضيق تنفسه-الى الخلف..وسمع السائق يردد بصوته الرخيم الحزين:
-  الى المستشفى..أعلم..ولكن أصغ الى..أنت لست بحاجة الى المستشفى.. أنت بحاجة الى أن تفهم.. ألا تتذكرنى حقاً؟؟..
وهنا تذكر كل شيئ..
أما السائق..
فطفق يشرح له كل شيئ..


*  *  *
-لم تأخرت يا صديقى؟
قالها الرجل الضخم ممسكاً بدفتراً ضخم فى يديه..
-لم أتأخر..كل ما استغرقه الوقت عشر دقائق..
قالها السائق بصوته الرخيم الحزين..
-وصديقك..ألم يفهم بعد؟؟
قالها الرجل الضخم وهو يفتح الدفتر بين يديه..
- لا ليس بعد..ولكنه سيفهم عاجلاً ام أجلاً..
-أتمنى أن يفهم عاجلاً..فأنت -كما أرى- لم تعد تتحمل ذالك الامر  وضقت ذرعاً به.. هذا واضح للعيان..
قالها الرجل الضخم وهو يكتب شيئاً ما فى الدفتر..
- حقاً تقول..انه عمل ارعن لست أرى له غاية  تبرره..
قالها السائق ساخطاً..
- الا تعلم حقاً..؟!
قالها الرجل الضخم وهو يغلق الدفتر..

أطرق السائق برأسه برهة من الزمن.. وبدا كما لو كانت تتداعى فى مخيلته ذكرى سيئة.. وردد بصوت ملؤه الندم:
-لقد كنت نسيت هذا الامر من سنين..ثم أنى لم أكن أعلم ما سيؤل عليه هذا الامر فى النهاية..كانت مجرد مزحة..وها أنا ذا أدفع ثمنها للأبد..
-وهو..؟ الا ترى أنه يدفع ثمنها هو الآخر..
- تباً..لقد ضجرت وضقت بالأمر ذرعاً..سأصارحه بالأمر المرة القادمة..إن المرئ لا يحبذ أن يحيى ثلاثون عاماً من السعادة.. ويقابلها مثلها من الشقاء..
-الحق انى مندهش منكم أيها الروس.. ولكنى أشفق عليك أيضاً..
قالها الرجل الضخم وهو يضع الدفتر بجوار دفاتر كثيرة مثله..
- حسناً..لك الشكر على تعاطفك معى.. والأن سأنطلق..فهاهو على وشك الخروج..
-مسكين كلاكما..كم عمره قلت؟؟
-أعتقد ثلاثون مثلى..أو أقل بسنة..
-حسناً..متفهم لم طفح الكيل بك..ثلاث سنوات حتى الان وأنت تفعل ما تفعل.. ولكن.. أعتقد أن الراحة الابدية قد دنت لكليكما..
-انى آمل هذا حقاً..والأن سأنطلق..فها أنا ذا أبصرعربة إنطلقت منذ لحظات وأخشى أن تتوقف له
- كلا.. لا تقلق.. كلٌ له إسمه مقيد بالدفاتر.. آراك لا حقاً..
وإنطلقت السيارة مسرعة..
ربما للمرة الأخيرة..



 

هناك تعليق واحد:

  1. ewg

    طب هو هيفهم اجلا ام عاجلا انا قاعد متنح ومفهمتش حاجه

    تقريبام ماتو هما الاتنين والحوار دة ف الحياه الاخرى؟!؟ _(ان وجدت)_

    ردحذف